الاثنين، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٦

طريق الخلاص


طريق الخلاص

تمهيد :

من المنظور الإيماني نجد أننا عباد غير أحرار لرب كريم أمرنا باعتماد الإسلام كنظام حكم وبشرنا بالجنة إن فعلنا وتوعدنا بعذاب الجحيم إن لم نفعل , وهكذا فقد وجب اعتماد الإسلام كنظام حكم استجابة لأوامر رب العالمين .
ومن المنظور الديموقراطي الذى يؤمن به ويسوق له البار والفاجر نجد أنفسنا أمام أغلبية شعبية ساحقة تريد الإسلام كنظام حكم , وهكذا فقد وجب اعتماد الإسلام كنظام حكم تنفيذا لإرادة الأمة .
ومن منظور البحث عن المصلحة وتحقيق أقصى المنافع وتبعا لطبيعتنا وامكاناتنا لم نجد غير الإسلام كنظام حكم يستطيع أن يصل بنا إلى تلك الغاية , وهكذا فقد وجب اعتماد الإسلام كنظام حكم سعيا وراء المنفعة .
أي أننا وبأي منطق أمام حتمية التطبيق الإسلامي , وحين بحثنا فى كيفية التطبيق وجدنا عشرات المناهج والرؤى الفاسدة المتناحرة الموصوفة زورا بالإسلامية والتابعة لعشرات الفرق والجماعات الضالة المنسوبة ظلما للإسلام والمتأرجحة بين تطرف السفاحين وتفريط علماء السلاطين وشرك الوثنيين .
وهكذا فقد وجب علينا نحن عموم المسلمين المخلصين , من نعترف لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة أن نبحث جاهدين عن التطبيق الإسلامي الصحيح الغائب عن الأرض منذ زمن بعيد والدليل هو حال المسلمين كأحقر أهل الأرض .
وفى أثناء ذلك علينا أن نتفهم عدة أمور تمثل فروضا شرعية ومنطقية على عملية البحث لا يمكننا تجاوزها ومن أهمها :

- طبيعة وحدة الحق وحتمية وحدة أتباعه :
الحق واحد لا يتعدد كما يتعدد الباطل وذلك لأنه يمثل السبيل الوحيد لرب العالمين
يقول تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ). الأنعام 153
ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم خط خطا على الأرض ثم قال : ( هذا سبيل الله ) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال : ( هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ) رواه أحمد .
ولأن الحق واحد لا يتعدد فمن البديهي أن يكون أتباعه موحدين فى جماعة واحدة بحكم ولائهم للحق الواحد , ولأن الباطل متعدد فمن البديهي أن يكون أتباعه متفرقين فى جماعات مختلفة بحكم ولاءاتهم المتعددة .
لذلك كان اختلاف أهل الحق المكلفين بحمله والتوحد فى سبيله وتفرقهم فى جماعات ومذاهب مؤذنا بوقوع الفتنة وخروجهم جميعا من تحت لواء الحق وإضافتهم كجبهات جديدة للباطل , وهو ما يعنى تعطيل فاعلية الضمان الإلهي الممنوح لهم بالنصر والتمكين والاستخلاف فى الأرض لافتقادهم أهم شروطه وهو إقامة جماعتهم الواحدة الموحدة .
يقول رب العالمين : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ). المؤمنون 51-52

وفى أثناء هذه الفرقة يبقى الحق ممثلا فى أفراد وتجمعات صغيرة مبعثرة وغير فاعلة ومحرومة هى الأخرى من التدخل القدري بالنصر والتمكين لعدم اجتماعها , ويبقى ذلك التدخل القدري الذى يعبر عن سنة إلهية لا تبديل لها فى انتظار من يفعلونه بإقامة جماعة الحق التى لابد لها من السعي المخلص والجاد لتوحيد الصف واستنفاذ الوسائل فى إخماد الفتنة ونبذ الفرقة وتأليف قلوب المختلفين وإظهار الحق جليا لاستقطاب المخلصين منهم .
ولأن سبيل الحق الذى هو سبيل الله واحد ونحن مأمورون بإتباعه , فقد خلقنا الله عز وجل على فطرة سوية متوافقة مع الحق وقادرة على تمييزه من الباطل , لذلك كان الحق ظاهرا جليا لا يمكن للمخلصين المؤمنين بالله ورسوله أن ينكروه إذا ما دعوا إليه .

- مجال البحث :
يجب أن ينحصر مجال بحثنا فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذى تم الدين فى حياته أصولا وفروعا , أما تراثنا الفقهي الجليل فإعدامه أو إحراقه كما يريد البعض هو الخبل بعينه , والاعتماد عليه فى تسيير أمور حياتنا فى هذا الزمان هو أمر يفوق الخبل , فالفقه هو الفهم والفهم متجدد بطبيعته , وهو علم يختص باستنباط الأحكام تبعا لظروف الزمان والمكان بما يحقق المصلحة ولا يخالف الشريعة .
وأكبر دليل على ذلك هو تغير آراء الإمام الشافعي صاحب أحد المذاهب الأربعة بين بغداد أولا ثم مصر , وتصنيف آرائه وفتاواه إلى الشافعي قديما والشافعي حديثا , وهو نفس الرجل ونفس الزمن .

وعلى ذلك فتراثنا الفقهي الجليل الذى ورثناه عن علماء عظام ثقات لا يصلح للاعتماد عليه فى هذا الزمان بشكل كامل لأنه وضع لزمان غير زماننا وأحوال غير أحوالنا , وكذلك لا يمكن تجاهله بشكل كامل لأن فى ذلك إهدار لثروة عظيمة أغلبها نافع وجحود بفضل الأجداد السابقين المخلصين الذين استطاعوا من خلال تجاربهم المختلفة أن يحتفظوا بدولتهم على قمة الدنيا عبر قرون ولم يسقطوا مثلما سقطنا .
بالإضافة إلى أن الاعتماد على ذلك التراث الفقهي يفتح باب الجدل والخلاف على مصراعيه فيقلل بذلك من فرص تحقق الإجماع ويسقط بنا فى ذات المستنقع الذى سقطت فيه الجماعات الإسلامية عندما توقف كل منها عند رؤية مذهب أو مجتهد مضى زمنه منذ قرون أو عشرات السنين , وراحت تجاهد لفرض هذه الرؤية على مجتمعها متناسية اختلاف الزمان والمكان .
وأمثلة ذلك فى تاريخنا الحديث كثيرة ومتعددة الا أن أوضحها وأكثرها تخبطا هو ما قامت به الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي فى الثمانينات والتسعينات , حيث قامت وبناء على رؤى فقهية فاسدة بحمل السلاح فى وجه المجتمع واستحلال دمه وقتال الحكومة على اعتبار أن فى ذلك مصلحة وهى استنزاف العدو !!!
ثم توجت مسيرة التخبط باغتيال الرئيس السادات الأمر الذى دفع بهم إلى السجون من حينها , ثم وبعد ما يزيد عن العشرين عاما راجعوا أنفسهم واعترفوا بأخطائهم وأخرجوا لنا من داخل سجونهم كتبا ومؤلفات تفند رؤيتهم السابقة وتثبت خطأها بعد أن زرعوا الفتنة فى المجتمع وأوجدوا المبرر لقانون الطوارئ بقتلهم رئيس الدولة الذى قالوا عنه فيما بعد أنه شهيد فى قتال فتنة .
وعلى ذلك فنظرتنا لذلك التراث الفقهي فى أثناء بحثنا عن الصيغة المناسبة لتطبيق الشريعة فى زماننا يجب ألا تتعدى نظرة المستأنس المقارن , فلا قدسية لكلام إلا لكلام الله تعالى وكل بشر يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعلينا أن نضع نصب أعيننا محددا واحدا لنجاح تلك الصيغة وهو مدى تحقيقها لمقاصد الشريعة الخمسة التى جاءت الشريعة فى الأصل للحفاظ عليها وهى الدين والنفس والعرض والمال والعقل , فيكون كل ما يؤدى إلى الحفاظ على تلك المقاصد واجبا شرعيا , فالأهداف ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أما وسائل تحقيق هذه الأهداف وأساليب التعامل فهى متعددة وغير متناهية .

- الواقعية بلا تفريط :
إن معيار النجاح الأساسي لأي صيغة تطرح لإقامة الدين هو مدى البراعة والواقعية فى تعامل تلك الصيغة مع مفردات واقعها وقدرات مجتمعها دون تفريط فتدخل بذلك بأهلها فى جوار ربهم وولايته فيرزقهم وينصرهم ويحفظهم ويمكن لهم ويمكر بأعدائهم فلا يغلبون , فمهمتنا ومهمة الإنسان منذ بدء الخليقة والى قيام الساعة كخليفة فى هذه الأرض هى إيجاد صيغة للتفاعل الإبداعي مع ذلك الواقع المتجدد دائما تحقق الحفاظ على مقاصد الشريعة الأصيلة دون أن تتعدى الحدود الإلهية المفروضة على تحركاتنا .
وتبعا لمعرفتنا بأنفسنا وقدراتنا فعلينا أن نتيقن من أننا لسنا كالصحابة ولا يمكن لنا أن نعيد تمثيل مجتمعهم فى مجتمعاتنا لأننا غير مؤهلين لذلك .
وعلى ذلك وبناء على رغبتنا المخلصة فى تطبيق الشريعة لتحقيق المكاسب العاجلة والآجلة التى وعدنا الله بها إن أقمنا دينه على أرضه والتى لا يمكن لسواه عز وجل أن يضمنها لنا .
وعلمنا بأن الجنة التى وعدنا الله بها إن أطعنا درجات متعددة وليست درجة واحدة .
وحرصا على تحقيق الإجماع الذى يمثل شرطا رئيسيا للتمكين .
فإننا كمجتمع نبحث عن صيغة تطبيقية تضمن لنا مكانا فى أدنى درجات الجنة على الأقل , وتسمح لأصحاب العزم فينا وخيارنا ببلوغ الفردوس الأعلى دون أن يفرضوا على غيرهم ما فرضوه على أنفسهم .

طريق الخلاص

تحقيق المستوى الأساسي لتطبيق الشريعة بتفعيل الحد الأقصى للإجماع


المستوى الأساسي لتطبيق الشريعة هو الحد الأدنى من الأحكام والأوامر الشرعية الأساسية التى لا يستقيم التطبيق إلا بها , وغياب أي منها كفيل بنزع الصفة الإسلامية عن النظام , فهى تمثل العامود الفقري لنظام الحكم الإسلامي الذى لا يمكنه النهوض بدونه , ويظهر هذا فى قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَاب ) آل عمران 7

أما الحد الأقصى للإجماع فهو مجموعة الأحكام والأوامر الشرعية الأساسية التى لا يمكننا الاختلاف على وجوب اتباعها والالتزام بها وذلك لوضوحها الشديد وتماشيها مع فطرتنا الإنسانية ويدلل عليه الحديث الشريف : ( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة ) البخاري .

والمستوى الأساسي لتطبيق الشريعة هو ذاته الحد الأقصى للإجماع وذلك من فضل الله على عباده المخلصين , لنكون قادرين بشكل دائم على تصحيح المسار إن ضللنا وتفرقنا , ويكون الطريق أمامنا واضحا منيرا وكل ما علينا هو أن نضع أقدامنا فى أي نقطة منه بحسب استطاعتنا , المهم هو أن نكون على ذلك الطريق وإلا هلكنا .
وفى ذلك إقامة للحجة علينا لأن القدرة هى مناط التكليف وقدرتنا الدائمة على العودة لذلك الطريق الواضح هى محور اختبارنا على الأرض ولولاها ما كان حساب ولا ثواب أو عقاب .

والآيات المحكمات التى تعبر عن المستوى الأساسي لتطبيق الشريعة وتمثل حجة الرب على العباد وعصمته لهم هى الآيات البينات الواضحات الدلالة التى لا التباس فيها على أحد , وتمثل أصل الكتاب والشريعة الذى يرجع إليه عند الاشتباه والاختلاف فيحكم على ما دونه , فهى كل ما يؤمن به ويعمل به من أحكام وفرائض , وهى دائما قائمة بذاتها لا تحتاج إلى الرجوع لغيرها لفهمها .
أما المتشابه فهو ما تحتمل دلالته أكثر من وجه وأكثر من تفسير , ومنه ما استأثر الله عز وجل بعلمه دون خلقه فليس لأحد من الناس سبيل إلى علمه , والمتشابه دائما من الفروع التى يجب ردها للأصول المحكمة كأصل فى التعامل معها .

ولطبيعة الآيات المحكمات كانت هى الفيصل بين الإيمان والكفر وباب الدخول إلى الدين أو الخروج منه .
ولطبيعة الآيات المتشابهات كانت هى الابتلاء الذى نمر به جميعا ويحدد درجة إيمان كل منا بناء على أسلوب تعامله مع المتشابه ومقدار ما يرده منه إلى المحكم .

لذلك تخبر الآية أن الذين فى قلوبهم زيغ ( أي مرضى القلوب الذين يميلون عن طريق الحق ويتركون القصد ) يتبعون المتشابه من الكتاب ويفسرونه بحسب أهوائهم لتدعيم مواقفهم الفاسدة وإيهام أتباعهم بأنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وذلك طلبا للفتنة وبثا للشبهات لإحداث حالة من اللبس والفرقة بين المؤمنين .

وهذا هو ما فعلناه جميعا إلا من رحم الله , فقد زاغت قلوبنا واتبعنا المتشابه من الكتاب فاختلفنا عليه , ثم زاد الزيغ وامتد إلى السنة النبوية فاختلفنا على قوة الأحاديث وضعفها وصحتها من عدمها , ثم اشتد الزيغ أكثر وأكثر فرحنا نبحث عن زلات العلماء واختلافاتهم وتحزبنا خلفها , وكنتيجة طبيعية لهذا الزيغ والضلال والإصرار على مفارقة الحق عطلنا المحكم من الكتاب لأنه لا يقوم إلا بجماعة متآلفة ترد الفروع إلى الأصول وليس العكس .
ولتوضيح ذلك وإسقاطه على أرض الواقع علينا أن نتعرف بشيء من التفصيل على منظومة الأحكام التكليفية والتى يندرج كل فعل نقوم به فى حياتنا تحت أحد أقسامها.
والأحكام التكليفية خمسة وهى الواجب والمستحب والمحرم والمكروه والمباح .

والواجب هو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بحيث يذم تاركه ويعاقب ويمدح فاعله ويثاب .
أما المستحب وهو الفضل أو السنة فهو ما طلب الشارع فعله بغير إلزام , بحيث يمدح فاعله ويثاب ولا يذم تاركه ولا يعاقب .
والمحرم هو ما طلب الشارع الكف عنه على وجه الحتم والإلزام فيكون تاركه مأجورا وفاعله آثما عصيا .
أما المكروه فهو ما طلب الشارع من المكلف تركه بغير إلزام بحيث يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله .
أما المباح أو الحلال فهو ما خيرنا الشارع بين فعله وتركه ولا مدح أو ذم ولا ثواب أو عقاب على الفعل أو الترك .

وما حدث هو أننا أخطأنا وبشكل فظ ومقزز فى تسكين الأحكام والأوامر الشرعية التى تتعلق بأفعالنا كبشر فى أماكنها الصحيحة داخل منظومة الأحكام التكليفية سالفة الذكر , فراح كل منا يضع تصنيفا جديدا للأحكام بحسب هواه وعلمه , فرفعنا المستحب إلى مقام الواجب وأنزلنا الواجب إلى المستحب وجعلنا المكروه حراما والحرام مكروها , ثم أسقطنا أعرافنا وأفكارنا المريضة على المباح فجعلنا منه مكروها وحراما , وهو ما فتح الباب للمأجورين والمغرضين ليكون لكل منهم تصنيف يخدم موقفه وهو ما أدى إلى ما نحن فيه من تعطيل كلي للدين محكمه ومتشابهه .
ومحاولة إعادة تصنيف الأحكام التكليفية بالكامل وتسكينها فى مكانها الصحيح لن ينتج عنها إلا إضافة تصنيف جديد وفرقة جديدة إلى واقع الفتنة الذى نحياه مهما كان إخلاص هذه المحاولة ومدى جديتها ونضجها .

لذلك فالعقل المنصف والقلب المخلص لا يجد أمامه سوى طريقا وحيدا قادرا على نبذ الفرقة ورفع الفتنة وكشف الغمة واستنهاض الأمة , وهو تفريغ منظومة الأحكام التكليفية واعتماد المحكم من الشريعة الذى لا يمكننا الاختلاف فيه دون غيره وتسكينه فى مكانه الصحيح من منظومة الأحكام التكليفية من حيث كونه واجبا أو حلالا أو حراما .
ونرفع أيدينا وألسنتنا عن المتشابه الذى هو مجال اختلافنا والذى جعله الله فى الأصل ليكون ابتلاء يختبر به عباده ويتحدد على أساسه درجة إيمان كل منهم ومستوى تقواه وخشيته لرب العالمين فلا يكون بيننا فيه تلاوم أو خصام .

فإن فعلنا ذلك وهو أمر معلق بقرار حر منا يميز الله به الخبيث من الطيب فقد نجحنا فى الوصول إلى الإجماع على الحق وأقمنا دولة الإسلام الغائبة عن الأرض منذ زمن طويل , واجتماعنا على الحق يضمن لنا أن نصيب الحق فى كل ما نتعرض له من أمور الدين والدنيا لأن الأمة لا تجتمع على باطل , وبذلك نتمكن من صياغة رؤية فقهية فكرية وسطية معاصرة وفعالة من خلال مشاركة وتفاعل قوى الأمة مجتمعة وعلى رأسها علماؤها فى علوم الدين والدنيا وأهل الحكمة والحكم كمرحلة تالية للإجماع على المحكمات وغير متزامنة معها .

وهنا يجب علينا الإشارة وعلى سبيل المثال لا الحصر إلى الأحكام التكليفية التى تفرضها علينا الآيات المحكمات من حلال وحرام وفرائض لنتعرف على ما يجب علينا تغييره للوصول بالمجتمع إلى تحقيق المستوى الأساسي لتطبيق الشريعة .
فالمحكمات تختص بكل ما يتعلق بأركان الإسلام وضرورات ونواقض الإيمان , أما فيما يخص أركان الإسلام وشعائره فنحن نشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يمنعنا أحد , ونصلى فى مساجدنا وأعمالنا ولا يمنعنا أحد , ونزكى عن أموالنا ونتصدق منها إن شئنا ولا يمنعنا أحد , ونصوم رمضان ونعشقه عشقا ولا يمنعنا أحد , ونحج ونعتمر متى شئنا وكيف شئنا ولا يمنعنا أحد .
وهكذا فإن هذا الجزء الخاص بأركان الإسلام من الآيات المحكمات تام فى مجتمعنا وليس علينا أية أعباء فى تغيير شيء منه .

أما فيما يتعلق بضرورات ونواقض الإيمان من الآيات المحكمات فمنها ما يتعلق بالعقيدة كالإيمان بالله وحده لا شريك له والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والحساب والجنة والنار , وهو أمر قائم بالمجتمع وفى كل الأحوال لا يسعنا سوى تقويته وتنميته وترشيده .
ومنها ما يتعلق بالمعاملات وتصريف شئون الناس وهذا هو محور الخلل وميدان العمل الذى يجب علينا أن نحدث فيه تغييرات وإصلاحات هيكلية رئيسية نستكمل من خلالها منظومة الأحكام التكليفية للآيات المحكمات للوصول بالمجتمع إلى تحقيق المستوى الأساسي لتطبيق الشريعة .
ومن هذه الأمور التى يجب اعتمادها أو إصلاحها ما يمثل التعامل معه أمرا سهلا ميسرا , ومنها ما قد يمثل فى نظر البعض عقبات شديدة أمام التطبيق الإسلامي مثل الحدود كنظام عقوبات , وطبيعة النظام السياسي وسلطات الحاكم فيه , والموقف من بعض أدوات النظام الاقتصادي كالفائدة والضرائب , والجهاد كعقيدة قتال فى زمن الحرب .
ولهذا يجب علينا مناقشة هذه العقبات بشيء من التفصيل لإزالتها من عقول من يعتقدون بوجودها وإثبات المكاسب المتحققة من اعتماد البديل الإسلامي .