الاثنين، نوفمبر ٢٧، ٢٠٠٦

الجماعات الاسلامية


الجماعات الإسلامية

لما كانت الجماعات الإسلامية بتعدد مناهجها وتناحرها وفشلها جميعا كل في مكانه وزمانه , هي المبرر الوحيد الذي يتذرع به معارضو تطبيق شريعة الله في أرضه , وهي السبب الرئيسي في إحجام الأغلبية الصامتة المريدة لتطبيق الشريعة أو الغير ممانعة لذلك عن إعلان مطلبها كباقي قوى الشعب .
ولما كان الإسلام هو النظام الواجب التطبيق بأمر الله وبالنظر في التاريخ وبدارسة نظم الدنيا وبحثا عن المصلحة فإنه قد وجب مناقشة أمر تلك الجماعات وشرعية وجودها من الأصل ونوعية ممارساتهم الشاذة من منطلق شرعي وعقلي .
لأنه وببساطة إن كان وجودهم شرعيا أو ممارساتهم شرعية فإن الدين أو النظام الذي شرع ذلك يكون فاسدا بالكلية والعياذ بالله .
نعم هكذا دون مبالغة , فإما أنهم فاسدون ضالون مضلون هالكون بالكلية وهناك تطبيق آخر لشرع الله لا يعرفونه أو يعرفونه ويكتمونه
وإما أن يكون النموذج الإسلامي نموذجاً فاسدا لأنه يسمح لهذا الخبث أن يتواجد فيه وحاشا لله أن نتجرأ على القول بذلك أو التفكير فيه .
إذن وبهذا المنطق يكونون هم الفاسدين الهالكين , ولكن كيف وأي منطق هذا , كيف تحكم عليهم جميعا بالفساد , أليس في ذلك مبالغة وظلم , كيف وهم من يسيرون فينا بالمظهر الإسلامي والالتزام بالعبادات ويظهرون لنا الخلق الحسن أو كذلك يفعل بعضهم وهكذا يتصورون أنفسهم.
ولإثبات ذلك علينا انتهاج منهج شرعي يثبت من الكتاب والسنة على هؤلاء ما وصفناهم به من ضلال وفساد وأكثر من ذلك مما عليهم استخلاصه دون البوح به ويحجز للمصرين منهم على البقاء كأتباع لتلك الجماعات والفرق مقعدا في الجحيم في ظل شجرة الزقوم رغم صلاتهم وصيامهم ولو تفوقوا في ذلك .
وبداية لابد أن يكون هناك مفهوم واضح في عقولنا وهو مفهوم التوحيد والذي لما قامت تلك الجماعات لإقامته في مجتمعاتها نقضته في أنفسها.
وللتوضيح وباختصار فإن التوحيد هو أصل العقيدة وهو يعني توحيد الخالق وإذا ما كانت الأمة موحدة فإنها لابد وأن تكون موحدة , وذلك لان الإله الذي وحدته أعطى الموحدين أوامر ثابتة ونهاهم عن أمور بعينها أي وضع منهجا كاملا لا يمكن الاختلاف فيه لوضوحه .
فإذا التزمت الأمة بذلك المنهج ظلت موحدة موحده , وإن اختلفت في المنهج رغم وضوحه تفرقت وصار كل منهم يطبق ما يراه صحيحا أو ما أراد أن يراه صحيحا , وهنا فإن الأمة أو من يفعلون ذلك فيها تكون قد نقضت توحيد الخالق بنقضها توحيد جماعتها ومنهجها.
وهؤلاء الذين اختلفوا في الدين أو في تطبيق الدين من المنتمين إلى الجماعات الإسلامية لن تجد لهم إلا احد دافعين لا ثالث لهما , فإما أنهم اختلفوا عن جهل أو عن ظلم , فمن اختلف عن ظلم فإنه يعلم فساد منهجه ولكنه مفتون بالسلطة كزعيم لهؤلاء الجهال , أو يحاول الحفاظ على مصدر رزق يأتيه من هذه الجماعة أو تلك .
أما من اختلف عن جهل واتبع تلك الجماعات فقد رأي فيهم نموذجا إسلاميا في مجتمعات علمانية ولغيرته على دينه وتخبطه كباقي أفراد المجتمع بين النظم والسياسات فقد رأي في انضمامه إليهم نصرة للإسلام وتنفيذا لواجب شرعي بالسعي لتطبيق الشريعة ولما انضم إلى إحدى تلك الجماعات أروه و أقنعوه أن منهج جماعتهم أيا ما كانت هو المنهج الصحيح دون غيره من الجماعات , وأن الباقين كلهم ضالون سواء أكانوا إسلاميين أو علمانيين .
فصارت جماعتهم في نظره هي صحيح الإسلام وهي الفرقة الناجية دون غيرها من الفرق الضالة ذات المناهج الفاسدة , فعمل بمنهجهم وراح يجاهد في استقطاب الناس لهم وعادى من يعادون ووالى من يوالون , دون أن ينظر إلى فلسفتهم و تحالفاتهم ومصادر تمويلهم و لهؤلاء الذين اختلفوا وتفرقوا عن جهل تكتب تلك الكلمات , وعلى هؤلاء إن عادوا لصوابهم تقوم قائمة الأمة من جديد , لأنهم مخلصون في داخلهم ولم يريدوا إلا وجه الله فيما فعلوا .

كذلك فان علينا أن نفرق مبدئيا بين نوعين من الجماعات أو المتحزبين على أساس الدين , أولهما جماعات ذات هدف سليم ومنهج فاسد.
و ثانيهما جماعات ذات هدف فاسد و منهج فاسد .
أما النوع الثاني وهو الفاسد تماما والمرفوض كلية ويمثله المتصوفة والشيعة وغيرهم من اتباع الأولياء وعباد آل البيت وأصحاب الطرق الفاسدة والمخرفين في العقيدة والمبتدعين في العبادات .
وضلال هؤلاء ظاهر بين لكل ذي عقل , وحكمهم يقع بين الشرك بالله والردة وذلك لأنهم إما دعوا عبدا من دون الله أو أحدثوا في أمر المسلمين ما ليس منه .
وهؤلاء يمثلون واحدة من اكبر نقاط الضعف التي تؤتي منها الأمة , والتي تشوه العقيدة الغراء في نفوس الناس عامة وتستوجب من الله لعنة نزلت بنا ونحياها منذ قرون .
أما النوع الأول فهو يمثل الجماعات التي قامت يوم قامت على يد رجال نحسبهم مخلصين لإحياء دولة الإسلام في بلاد المسلمين ومنها الإخوان وأنصار السنة والسلفيون والتبليغ وغيرها .
وهذا الهدف في حد ذاته هو أسمى الأهداف التي قد يحيا الفرد والجماعة من أجلها وسبب خلق الإنسان من حيث المبدأ , ومعظم مؤسسي تلك الجماعات لو رأي حالهم اليوم لتبرأ منهم و لدعا عليهم بالهلاك لأن هؤلاء المؤسسين كانت غايتهم فيما فعلوا هي إقامة جماعة المسلمين في أزمنة تواري فيها الإسلام عن مجتمعاتنا.
تماما كما كان الأئمة الأربعة الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ومالك هم خير رجال زمانهم وأعلم أهل الأرض بشريعة ربهم وسنة نبيهم ولكن من جاء بعدهم من المتشيعين لهم المنتمين لمذاهبهم هم من فرقوا بينهم واختلفوا على آرائهم وتحزبوا خلفها حتى نقضوا دينهم وخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم باختلافهم , حيث صار دين كل منهم هو مذهبه وما عداه فهو باطل مرفوض بالكلية ولو كان من الدين وهو من الدين .
ولاستجلاء الأمر يجب أولا مناقشة نشأتهم وأساليب عملهم ونقاط الاختلاف بينهم .
أما عن نشأتهم فهذه الجماعات أو بعضها حين قامت منذ عقود إنما قامت لتحكيم شريعة الله في أرضه كما ذكرنا , حيث نظر مؤسسوها كل في مكانه وزمانه إلى المجتمع الذي يعيش فيه والمجتمعات المحيطة به فرفضها جميعا لفسادها , وبالعقل ودراسة تاريخ الأمم وجد أن أمتنا لم تسد الأمم إلا بشريعة الله , ولم تصبح أحط وأحقر وأضعف الأمم إلا حينما تركت تلك الشريعة وتحاكمت إلى أهوائها , فراح يدرس تلك الشريعة ويقارنها بغيرها من النظم والمناهج الوضعية , فرأي الفارق واضحا عظيما بين التشريع الرباني والتشريع الإنساني من حيث الإحاطة والتفصيل والمثالية وبلوغ المصلحة الحقيقية للأمة .
هكذا وبكل بساطة عرف الحق الذي لا جدال فيه , ووجد أنه من واجبه تجاه ربه ونفسه وأمته هو وأتباعه ومن يستطيع أن يستقطب أن يعملوا على إقامة دين الله في أرضه , ولكن أين الطريق ؟!
بدأ كل منهم يفكر في الأسلوب الأنسب والأصلح في ظل الإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة للوصول بالمجتمع إلى ذلك الهدف العظيم .
ولأنهم لم يكونوا مجتمعين في زمان واحد ومكان واحد , وعاصروا ظروفا مختلفة , وتعرضوا لضغوط متفاوتة , وعذابات من أنواع شتى , فقد رأي كل منهم الطريق إلى ذلك الهدف بشكل مختلف تبعا لما مر به من ظروف وما جاءه من علم وقدراته العقلية وهوى بعضهم .
فقد رأي بعضهم أن الطريق الأمثل لذلك هو تكثيف الدعوة في المجتمع وتبليغه بأوامر الدين ونواهيه رغم ضعف علمهم , فتنتشر بذلك تعاليم الإسلام بين أفراده ويزداد عدد المسلمين الفعليين في المجتمع حتى يصيروا أغلبية فيؤول الأمر إليهم , فراحوا يطرقون الأبواب ويبتدعون البدع ويدعون الناس بغير علم ويفتون بغير حق فضلوا وأضلوا .
ورأي بعضهم أن الله لن يمكن لنا في الأرض إلا إذا وصلنا إلى درجة الصحابة والتابعين أو اقل قليلا من الزهد والإيمان والتقوى , فأغلقوا عليهم أبواب مساجدهم وصوامعهم , وانعزلوا عن مجتمعاتهم , وتعاملوا مع الناس بتعال وتكبر على اعتبار انهم هم الصديقون وكل الناس رعاع منافقون , وراحوا يتسابقون في تقصير الثوب وإطالة اللحية وعدد مرات استخدام السواك.
وذهب بعضهم إلى تكفير المجتمع ككل ووجوب قتاله لفساد أهله حكاما ومحكومين , وأعلنوا الجهاد على الكوكب بأسره , فسكان الأرض إما يهود أو نصارى أو ملحدون أو مسلمون مرتدون !
هكذا رأوا العالم فراحوا يقتلون كل ما تطاله أيديهم , فكادوا للإسلام وأساءوا إليه أكثر مما يحب أعداؤه .
ورأي آخرون أن الطريق الأمثل يكون من خلال التوغل في المجتمع والسيطرة عليه من خلال زرع أتباعهم في كل الكيانات الهامة في الدولة كالنقابات المهنية والمجالس التشريعية والجامعات وغيرها , ودخلوا اللعبة السياسية طامعين في تغيير قواعدها والفوز فيها , فإذا بها هي التي تغير قواعدهم الشرعية , وتجبرهم على تغيير أفكارهم ومواقفهم وتقديم التنازلات تباعا ليظلوا داخل اللعبة , فصاروا طلاب سلطة لا إقامة دين , ورغم كل ذلك ما قبلهم باقي اللاعبين ولا جمهور المتفرجين !
و رأي آخرون ما رأوه , وجعلوا من رؤيتهم تلك منهجا لهم , فتعددت المناهج والأساليب وتراوحت بين التطرف والتفريط , وسمى كل منهم منهجه بالواجب المرحلي , أي ما يجب على كل مسلم فعله في هذه المرحلة الزمنية , وما دمت قد ألبست رؤيتك ثوب الواجب الشرعي فإن كل من خالفها يكون قد خالف الشرع , ومن لم يعمل بها فهو عدو للدين.
وهكذا تفرقوا واختلفوا , وعلى تلك الرؤى الشخصية كان اختلافهم , وبدافع المصلحة أو الجهل والغباء كان إصرارهم , وهكذا صار الدين مفرقا بين هؤلاء وهؤلاء , فقد أخذ كل منهم من الدين جزءا كان في نظره هو كامل الدين أو المناسب من الدين والأولى بالتطبيق في مرحلتنا , فأخذ هؤلاء الجهاد وصار حكرا عليهم , وأخذ أولئك الدعوة والأمر بالمعروف فصارت نصيبهم من الدين دون غيرهم , وأخذ غيرهم العلم والفقه طريقا فملئوا العقول بالأحكام والمنظومات وظلت قلوبهم فارغة , واخذ آخرون من الدين ما يتعلق بالحكم والسياسة , فراحوا يتشعبون في مؤسسات الدولة دون غيرهم بغية السيطرة على الحكم , واخذ آخرون من الدين المكفرات ونواقض الإسلام والإيمان وأسقطها على المجتمع فرآه مرتدا بالكلية فهجره أو قاتله .
ثم تفنن كل منهم في رفض رؤية الآخرين وتفنيدها , فرفض بذلك كل الدين إلا الجزء الذي هو نصيبه , وذلك لأن الباقين لديهم باقي أجزاء الدين التي رفضها .

وهكذا قالوا جميعا أن هذا الزمان ليس زمان الجهاد إلا أتباع الفكر الجهادى .
وقالوا جميعا أن المشاركة في مؤسسات الحكومات الحالية من برلمان ونقابات وغيرها تحرم شرعا إلا فرقة واحدة , والتي رأت أن ذلك هو السبيل للسيطرة على الحكم , وهكذا قام كل منهم برفض كل الدين إلا جزأه .
وهكذا صارت جماعة أو مذهب كل منهم هي دينه من دون الإسلام , وإلهه ومعبوده الذى يشرع له , وهكذا تجزأ الدين وتفتت وتفرق على هؤلاء المحاربين لله ورسوله سواء أعلموا ذلك أم لم يعلموا , والمناهضين لتحكيم الشريعة وإن تشدقوا بأن هذا هو مطلبهم الأساسي وسبب وجودهم .
ولو أنهم اجتمعوا كما أراد الله وقبل بعضهم بعضا لتجمعت أجزاء الدين المتناثرة وقامت قائمته من جديد , لأن الدين لا يقوم ولا يكون أصلا على أحد أجزائه دون غيره مهما بلغت أهمية هذا الجزء .
ولا تقوم دولة الإسلام أبدا إلا باجتماع كل تلك الفرق أو استئصالها , فالأمة تحتاج إلى من يجاهد عدوها المعتدي , وإلى من يستطيعون سياسة أمورها , وإدارة شئونها , ولا تستغني عن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر , ولا يستقيم حالها إلا بوجود علماء يرشدونها إلى المصلحة من خلال الشرع .
وغياب أي من هؤلاء عن الباقين كفيل بسقوط الأمة , فلو لم يكن للأمة مجاهدون يدافعون عنها ويقاتلون عدوها لاستباح أعداؤنا دماءنا وأعراضنا و لضاعت الأمة , ولو لم يكن هناك من يستطيع سياسة أمور الأمة وإدارة شئونها لتخبطت ولضاعت مواردها ونهبت من الخارج والداخل , ولطمع فينا أعداؤنا فضعنا وضاعت الأمة .
ولو غاب عن الأمة الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر لتآكل الدين في نفوس الناس , واستصغروا كبائر الذنوب واستكبروا صغائر الطاعات .
ولو لم يوجد بالأمة علماء وفقهاء مخلصون مفكرون مجتهدون , لفتح الباب أمام المبتدعين و الجهال , و لعادت الأمة قرونا للوراء .
فماذا يكون الحال إذا ما كانت كل هذه الفرق وغيرها ممن لم نذكرهم متقاتلة متناحرة يكيد بعضها لبعض ويبغض بعضها بعضا ؟
أتبقى في هذا الحال أمة ؟!
بالطبع لا وهذا هو ما حدث , انهار بنيان الأمة وسقطت رايتها وتداعي عليها أعداؤها وقهرت في أرضها , وما كان ذلك عن قلة أو ضعف , وإنما كان عن فرقة واختلاف , حتى صارت تلك الجماعات أو بعضها تتحالف مع قوى خارجية ربما كانت تعاديها ظاهريا لتكون لها الغلبة والتميز على باقي الجماعات !
وهكذا تجزأت الأمة الإسلامية إلى أوطان بحدود سياسية وضعها الاستعمار القديم بتواطؤ حكام خائنين , ثم تجزأت الأوطان المرسومة من قبل الأعداء كل في داخله إلى جماعات وأحزاب , وراحت تتوالد وتتكاثر فالأمر مسموح به للجميع , فما دمنا في حالة اختلاف وهناك عشرات الرؤى والجماعات فلم لا تكون لي رؤيتي وجماعتي ؟! وهكذا ابتدع أراذلنا عبر الزمان الطرق والمذاهب وراحوا يحشدون الناس خلفها , وهكذا يظهر جليا أن هذه الفرق وما أحدثته من حالة فرقة واختلاف هي سبب ضياع الدين في الأمة , إلا أنني أوقن أن هناك من لا يزال مصرا على موقفه ويسفه كلامنا ويستهزئ به , فهم أهل جدل وكلام .
ولهذا نستخرج من الكتاب والسنة الأدلة القاطعة والبراهين الدامغة على ما اتهمناهم به وأكثر , ليفهم من شاء أن يفهم , ويعلم من لم يكن يعلم , وتكون حجة عليهم أمام الله يوم القيامة , يوم ينبئهم بما كانوا فيه يختلفون , حجة لا تدع مجالا لمكذب أو مجادل إلا من يجحد بآيات الله التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما جحد بها المشركون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
فإذا قال رب العالمين : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ، وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ، فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ) الشورى 13-15
ولو لم يكن هناك بالكتاب والسنة غير هذه الآيات لكانت هي الكافية الجامعة القاطعة , فمنها يثبت أن دين الرسل جميعا واحد , حيث بدأ الله تعالى بأول الرسل وهو نوح ثم محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخر الرسل ، ثم مر بمن بينهما من رسل وهم إبراهيم وموسى وعيسى , فما هو الذي شرعه لنا رب العالمين من عهد نوح عليه السلام إلى عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
ويأتي جواب ربنا (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه ) وهذا أمر الله لنا ولمن سبقنا من الأمم , أن نقيم الدين في حياتنا بتنفيذ أحكامه وألا نتفرق فيه , وفي ذلك أمر بالجماعة و الائتلاف ونهي عن الفرقة والاختلاف , ثم يبين رب العالمين لنا من من الناس يصعب عليه الانصياع لهذا الأمر أو التشريع بقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْه ) , وفي هذا خطر عظيم على أتباع تلك الجماعات , ثم يخبرنا أنه تعالى يجتبي إليه من يشاء أي يختار , فالاجتباء اختيار , ولكنه يهدي إليه من ينيب أي من أراد الهداية , الذي يعود إلى الله إذا أخطأ , ويتبع الحق حيثما وجده وليس أسيرا لفكر أو مذهب أو إمام إن هلك أهلكه معه , ثم يخبرنا رب العالمين أن الذين تفرقوا ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم , وما كانت تلك الفرقة والاختلاف إلا بغيا بينهم , أي أنها ليست من العلم الذي جاءهم , ثم يخبرنا انه لولا أننا في اختبار له مدة لا يعلمها إلا الله يبعثنا بعدها ليحاسبنا على ما فعلنا في حياتنا الدنيا لقضي بين هؤلاء المتفرقين المختلفين .
ثم يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه أن يدعو لذلك الأمر وهو إقامة الدين وعدم التفرق فيه وأن يستقيم كما أمر ولا يتبع أهواءهم , , فهذا هو الأصل والرسالة والدين الذي شرعه الله للناس على مر العصور , هذا هو واجب الإنسان على وجه الأرض و أساس حسابه يوم القيامة إقامة الدين وعدم التفرق فيه .
ويقول رب العزة (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) الروم 31-32
والآية خطيرة وتضع حكما مرعبا للذين فرقوا دينهم وكانوا جماعات أو أحزابا , كل منها يظن أنه على الحق ويفرح بما عنده و ينكر ما عند الآخرين ولو كان من الدين .
فإن قلت لي لا تكن من الأغبياء الذين يفعلون كذا , فإن أنا فعلت ذلك الفعل الذي نهيتني عنه أكن من الأغبياء , فإن قلت لي مثلا لا تكن من المقصرين الذين ينامون عن صلاة الفجر ثم نمت عنها فأنا ولابد من المقصرين .
ولله المثل الأعلى , فقد نهانا أن نكون من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وعلى ذلك فإن من يفعل منا ذلك أي يتفرق في الدين ويتشيع ويختلف صار من المشركين .
ويقول الله عز وجل : ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) المؤمنون ( 52- 53 )
فنفهم من الآية أن أمتنا أي امة التوحيد هي أمة واحدة , لها مواصفات ثابتة حددها رب العالمين , ولكنهم تفرقوا وقطعوا أمرهم ودينهم بينهم إلى ملل و مناهج هي في الأصل من الدين , وفرح كل منهم بما لديه وما هو عليه .
وقوله تعالى : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) آل عمران 105
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) الأنعام 109
وقد روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن الذين فرقوا دينهم هم أهل البدع والشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة , وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية هكذا ( إن الذين فارقوا دينهم ) , وكان على كرم الله وجهه يقول: والله ما فرقوه ولكن فارقوه يقصد الدين .
أبعد كل هذه الآيات الواضحة المخيفة يبقى لأتباع تلك الجماعات أي مبرر أو عذر للبقاء على حالهم ، فلربما قال أحدهم أن هذه الآيات تخص اليهود و النصارى الذين اختلفوا في كتبهم ولا تخصنا ، ورغم وضوح الآيات ووضوح خطا ذلك القول إلا أننا نسرد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لندحض بها تلك الشبهة ونفهم من خلالها الآيات بشكل أوضح .
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَتَتْبعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) البخاري ومسلم ...
وقال صلى الله عليه سلم :(َ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ ) ابن ماجة وأبو داوود و الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : (َ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ) أبو داوود و الترمذي وأحمد .
وقال صلى الله عليه وسلم : (َ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا) مسلم والترمذي وأبو داوود وأحمد .
وعن عبد الله بن عمرو قال ( هَجَّرْتُ – أي بكرت- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَالَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَقَالَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ ) مسلم و أحمد .
وعن عبد الله بن مسعود قال ( سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ خِلَافَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا ) البخاري .
ومن الأحاديث الواضحة التي ذكرناها نفهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينبئنا بأننا سنفعل مثلما فعل اليهود والنصارى تماما فنستخدم نظمهم ونخطئ نفس أخطائهم حتى إذا ما أقدموا على فعل شيء فيه هلاكهم فعلنا مثلهم .
فكما اختلفوا وتفرقوا إلى اثنتين وسبعين ملة فإن أمتنا ستختلف وتتفرق على ثلاث وسبعين , كلها في النار مع فرق اليهود والنصارى إلا واحدة فقط وهي القائمة بكامل الدين كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ويوضح الحديث الثالث سبب سقوط تلك الفرق المنتمية للأمة في النار , ألا وهو تفرقها وفساد ذات بينها والتي حلقت دينها وأخرجتها من الإسلام , بل ويشير إلى أن صلاح ذات البين والذي لا يكون إلا بإقامة الجماعة وعدم التفرق هو عمل أفضل من الصلاة والصيام وسائر الأعمال العظام .
ويشير الحديث الرابع إلى نفس المعنى وبشكل أوضح , فهو يأمر مباشرة بالجماعة والسمع والطاعة , ويقول صراحة أنه من فارق الجماعة قيد شبر أي مهما كان اختلافه بسيطا فقد نقض بذلك إسلامه و خرج من الدين .
ومن الحديث الخامس نعلم أن الله قد وعدنا ألا يهلكنا بسنة عامة ,وألا يسلط علينا عدوا خارجيا فيتمكن منا ويقهرنا , ولو اجتمع علينا أهل الأرض جميعا , ولكنه لم يعصمنا من الاختلاف والتفرق فيما بيننا حتى ولو وصل الأمر إلى الاقتتال وإهلاك بعضنا بعضا .
ومن الحديثين السادس والسابع تظهر كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم الشديدة للاختلاف ونهيه القاطع عنه .
ومن تشدق من أتباع الجماعات بأنه هو وجماعته لا يندرجون تحت هذه الأحاديث ولا ينطبق عليه حديث الفرق , فهو كاذب مجادل جاحد ولا يمكنه إثبات ذلك بأي وسيلة , أللهم إلا عن طريق أقوال شيوخه المضلة والتي تطمئنه إلى أن جماعته هي الفرقة الناجية الوحيدة , وأن الباقين هم الفرق الهالكة , وهكذا رأت كل جماعة نفسها شعب الله المختار كما يرى اليهود أنفسهم رغم ضلالهم .
ولهذا نذكر جزءا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عله يحمل الشفاء
فيقول ابن تيمية : ( واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب , وهو أن يكون كل واحد من المختلفين مصيبا فيما يثبته أو في بعضه مخطئا في نفي ما عليه الآخر .
فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب لا في الإثبات , لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطتة بما ينفيه .
فباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة هو التفرق والاختلاف , وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج من الدين , والمنتسب إلى احمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا , وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهي الله ورسوله عنه , وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس , المتبعين لأهوائهم بغير هدي من الله مستحقون للذم والعقاب .
فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين , والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع ؟!) .

وبعد هذا الكلام الثمين لشيخ الإسلام ابن تيمية لا يسعنا إلا أن نذكر من يرى فى جماعته أو مذهبه الأفضلية , بأنه يسوغ ترك الأفضل لتأليف القلوب , مثلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم إعادة بناء البيت الحرام على قواعد إبراهيم عليه السلام لأن أهل قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية وخشي تنفيرهم بذلك , ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم عليه السلام .
أفبعد هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية , هل يبقى أتباع لهذه الجماعات إلا المتكبرين الجاحدين ؟!

نظرة تاريخية ومعاصرة على الفرق الإسلامية :

وللإمعان في الاستدلال على بغي هذه الجماعات وفشلها نلقي نظرة عليها عبر التاريخ وفي الوقت الحالي , لنتأكد من أنه لم يكن لأحدها أبدا في الإسلام يد تبني , وإنما كان لها جمعيا وبلا استثناء وعبر التاريخ الإسلامي القديم و الحديث معاول أكبر وأشد من معاول أعداءنا , هدمت بها بنيان الإسلام وخرقت سفينة الأمة من مكانها .
ولتكن البداية بالتاريخ الحديث حيث تتطابق نقطة البداية فيه أيا ما كانت مع نقطة النهاية وهي حالنا الآن , والاثنتان تمثلان ضياعا للأمة وعلى أيدى هؤلاء .
فلننظر مثلا إلى الكارثة الفلسطينية المستمرة عبر التاريخ وفي موضع واحد من المشهد , حيث يمثل هذا الموضع سبب استمرارها حتى الآن وعدم القدرة على تخيل إمكانية حل مستقبلي .
وما نقصده هنا هو مدى صلابة جبهتها وائتلاف جماعتها أمام عدوها , ولو بحثنا الأمر لما وجدنا لها جبهة ولا جماعة أصلا وإنما فرق وجماعات مختلفة متنافرة متناحرة وأحيانا كثيرة متقاتلة , على الرغم من وجود عدو صريح محتل يضع خنجره في ظهورهم جميعا , ولكن اختلافهم و فرقتهم المبنية على المصالح الخاصة قد أعمت أعينهم و أذهبت عقولهم و طمست على قلوبهم .
وأنا أفهم أن يختلف الإسلاميون مع العلمانيين , وأفهم أن يختلف العلمانيون في داخلهم ويتفرقوا إلى عشرات الرؤى والأحزاب , ولكني لا أفهم أن يختلف المسلمون فيما بينهم ويتفرقوا خلف الرايات والقادة وهم في أرض المعركة , حيث يذبح أبناؤهم ونساؤهم ويمنعون من حقوق الحيوان لا الإنسان !
فأي دافع يستحق أن يدفع إلى هذه الحالة , ما الذي يمنعهم -الإسلاميين على الأقل- من توحيد جبهتهم وإقامة جماعتهم واختيار رجل منهم يكون له الأمر والنهي فيهم جميعا وعليه مشاورتهم في الأمر , فما بين حماس والجهاد الإسلامي وغيره من الجماعات والأسماء التي تدعي الإسلام ضاع الإسلام والمسلمون ومسرى الرسول صلى الله عليه و سلم والأرض المباركة .
فما الذي منع تلك الجماعات الإسلامية من تجميع قواها وتوحيد صفوفها إلا عبادتها للجماعة من دون الله , واتباع رؤية قادتها بدلا من سنة رسول الله وان ادعوا أنها منها.
ولن يكون هناك حل ولن يتحسن الحال أبدا بل سيزداد سوءا إذا ظلوا على فرقتهم واختلافهم وتناحرهم لصالح العدو , إلى أن يقيموا جماعتهم .

ولو ابتعدنا قليلا وذهبنا إلى أفغانستان مثلا لوجدنا مثالا أوضح يبين تأثير الفرقة والاختلاف الرهيب والمباشر والسريع على الأمة .
حيث يبدأ المشهد بدولة فقيرة محتلة من قبل أحد قطبي العالم في ذاك الوقت والقوة المكافئة لقوة الولايات المتحدة وهو الاتحاد السوفيتي
فقام أهل هذا البلد واجتمعوا ووحدوا صفوفهم رغم اختلاف أعراقهم ومذاهبهم , فأقاموا بذلك جماعتهم فنصرهم الله على عدوهم المرعب , وخرج من بلادهم ذليلا مهزوما فكانوا بذلك أحد أكبر أسباب انهيار ذلك القطب القوي واختفائه من خريطة العالم .
ولما خرج هذا العدو عاد أمرهم في أيديهم , وهنا وقعت الفاجعة , من يحكم البلاد؟ فاختلفوا وتفرقوا فيما بينهم فصار الجيش المنتصر بالأمس جيوشا صغيرة تتقاتل على الحكم تحت مبررات عرقية ومذهبية , فأفنى ذلك الجيش نفسه بنفسه بعد انتصاره , وآل الأمر إلى حركة طالبان والقاعدة والتي تمثل بحكمها الذي ادعت أنه إسلامي أكبر إساءة للإسلام والمسلمين , وبدأ بذلك حكم الفرقة , فبداية عادت بالمجتمع إلى القرون الوسطى , وحبست النساء ومنعت تعليمهن , ورفضت كل ما هو جديد على اعتبار انه بدعة , وراحوا يكفرون المسلمين نظما وشعوبا , وما إلى ذلك مما مال إليه هواهم فجعلوه هو الدين , ثم وبعد بضعة سنوات من فرض سيطرتها على الأرض رأت أن تهدم تماثيل أثرية لبوذا تمثل تراثا إنسانيا وحضاريا على اعتبار أن وجودها حرام !
وراحت تقايض العالم مستغلة الاستنكار العالمي لقرارها فإما أن تعطونا المعونات لشعبنا الفقير الذي يتضور جوعا وإما سنهدم التماثيل , ثم هدموها لما لم يعطهم احد شيئا!
وهنا نسأل ... إذا كان هدم التماثيل واجبا شرعيا فلم لم يهدموها بمجرد فرض سيطرتهم على البلاد ؟ لم تركوها كل هذه السنين ؟! ولم تقايضون عليها؟
أفلو أعطوكم ما تريدون أكنتم تسكتون عن تنفيذ الواجب الشرعي الذي تقولون به أم كنتم ستأخذون العطايا ثم تخونون وعدكم وتهدمونها ؟!
وهل هؤلاء أفضل من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و قائد جيشه عمرو بن العاص والصحابة ممن كانوا معه في جيشه الذي فتح به مصر؟!
فقد فتح هؤلاء مصر التي تحتوي ثلثي آثار العالم وبها تماثيل أبي الهول وفرعون الذي كان يدعي الألوهية ويعبد من دون الله وكان ذلك في خلافه عمر رضي الله عنه فما أمر عمر أو أحد قادة الجيش بهدم تمثال , وما استنكر رجل من المسلمين تركها دون هدم .
فهل أتي لهؤلاء من العلم ما لم يكن يعلمه صحابة رسول الله ؟! فانظر كيف يكون الافتراء على الله ورسوله والعبث بالدين وتوظيفه لمصالحهم بأبشع الطرق .
ولم يقف الأمر عند ذلك بل خرج منهم ذلك الشبح المسمي بتنظيم القاعدة وقرر أن يضرب أمريكا في عقر دارها , فاختطف الطائرات وضرب الأبراج ووزارة الدفاع مدعيا أن ذلك جهاد في سبيل الله , فكيف يكون جهاد في سبيل الله بما نهي عنه الله ؟!!
فأن صح جهاد هؤلاء تصح صلاة من توضأ بالخمر , وذلك لأنهم لم يقترفوا محرما واحدا وإنما العملية كلها كانت مكتظة بالمحرمات .
فإذا علمنا أن الله تعالى قال : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة 190
ولم تكن أمريكا قد اعتدت بعد على ديار المسلمين ولا عليهم مباشرة , بل كانت مصدر تمويلهم وتدريبهم فإنه وبأمر الله لا يجوز قتالها , وان كان مبررهم هو مساندتها لإسرائيل فلماذا لم يضربوا إسرائيل مباشرة وهي الأقرب والأضعف؟!
وثانيا فمن المعلوم أن قتل الغير مقاتلين والنساء والأطفال والشيوخ منهي عنه وليس فيه نقاش وذلك لأن المسلمين حين يقاتلون إنما يقاتلون لتدعيم القيم فيكون فى قتالهم دعوة للإسلام من خلال اعتمادهم على مبادئ ومثل عليا حتى في القتال .
فماذا فعل الآلاف من المدنيين الموجودين ببرجي التجارة وعلى الطائرات المختطفة هل كانوا محاربين !
وثالثا فمن المعلوم لدى القائمين بتلك العملية أن هناك المئات من المسلمين الذين يعملون في تلك الأبراج , وبضربهم للأبراج في وقت العمل يكون قتل هؤلاء أمر مؤكد , أي أننا دخلنا في جريمة عظيمة وهي قتل المسلمين عمدا , وبالطبع فإن المبرر الذي سيدفعون به هو أن هؤلاء مسلمون مرتدون أو علمانيون , فهل كشفوا عن قلوبهم شخصا شخصا , هل راقبوهم في حياتهم الخاصة فعلموا أنهم جميعا لا يصلون مثلا , أي دليل لديهم على فساد هؤلاء ؟!
وانظر إلى عظمة الخالق سبحانه الذي يعلم حال الدنيا إلى يوم القيامة , فأنزل في كتابه ما يوضح كل شيء ويفصله ليظهر ضلال هؤلاء وأمثالهم فلا تثبت لهم حجة , يقول رب العالمين :( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا) النساء 92 ,93
ثم يبين رب العالمين كيفية التصرف في حالات القتل الخطأ .
ثم يتوعد من يقتل مؤمنا متعمدا بقوله ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )
ثم يقول العليم الخبير لأمثال هؤلاء ممن يقتلون المؤمنين عمدا ثم ينكرون ذلك بنفي الإيمان عنهم : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا )
وفي الآية تحذير وأمر للمؤمنين إذا خرجوا مجاهدين في سبيل الله أن يتبينوا من يقتلون ويقاتلون , ثم يحذرهم أن ينفوا الإيمان عمن أظهره لهم فيبطشوا به , ثم يظهر دافعهم في فعل ذلك وهو ابتغاؤهم عرض الحياة الدنيا , أي أنه ليس في سبيل الله , ثم يذكرهم بأنهم كانوا كذلك من قبل أي في نفس الدرجة الأقل من الالتزام والإيمان , ثم يلزمهم مجددا بأن يتبينوا مذكرا إياهم بأنه خبير بما يعملون , أي يعرف دوافعهم وأهدافهم الحقيقية من وراء فعلهم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) وتوبيخه الشديد لرجال فى سرايا أرسلها , لقتلهم من شهد أن لا اله إلا الله ولو ادعاء أو تقية أو حفاظا على أمواله وتبرؤه صلى الله عليه و سلم من فعلتهم تلك .
أما رابعا وأخيرا فهو ظنهم أن قتل المسلم لنفسه ليقتل أعداءه هو شهادة في سبيل الله , وهو ما يدعونه بالعمليات الاستشهادية وهي بعيدة كل البعد عن الاستشهاد والله أعلى و أعلم , فواجب المسلم هو الجهاد بكل طاقاته في سبيل الله والاستعداد التام لبذل الروح إعلاء لكلمة الله , وفي ذات الوقت عليه أن يتبع كافة السبل الممكنة لحفظ حياته لأن استمرار حياته يعني استمرار جهاده ودفع أعدائه .
أي أن عليه أن يوازن بين البسالة والإقدام واستعداده للتضحية وطلبه للشهادة من جهة , وبين حفظه لحياته واتباعه كافة السبل المؤدية لذلك من جهة لأن الشهادة منحة عظيمة وعطية من الله يعطيها لمن يختاره لا لمن ينتزعها .
فإذا ما أصابه شيء وهو على هذا الحال فقتل فهو شهيد بأذن ربه الذي اختاره للفردوس الأعلى , أما أن يخرج رجل يلبس حزاما ناسفا أو يركب سيارة مفخخة أو يقود طائرة ليستخدمها كصاروخ أو غيره , فيحدد ساعة موته أو استشهاده كما يزعم بالدقيقة والثانية فيفجر نفسه (ولو كان ذلك وسط أعداء محاربين فقط) ويقال أن ذلك شهيد فكيف ؟ أين هو من قول الله تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )
وقوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )
ألا يظهر من الآيات أن فعلته تلك منهي عنها , ثم وبالبحث في التاريخ الإسلامي فلن نجد حالة واحدة لجهاد فيه يقين حتمي بالموت , أي أن تاريخ الأمة بما فيه من فتوحات عظيمة ومعارك فاصلة خال من أي حالة مشابهه , فأنت إن أشهرت سيفك أمام سيوف ألف مقاتل فانك لا توقن بالموت , وإن بدا للعقول أن ألف رجل لابد وأن يغلبوا رجلا واحدا , فربما نصرك لله عليهم وهو قادر على أكثر من ذلك , وربما قرروا هم ألا يقتلوك بصرف الله قلوبهم عن ذلك , وربما ظهر من يقاتل إلى جانبك ويشد من أزرك , وربما حدثت كارثة طبيعية بقدر الله فأهلكتهم جميعا وأبقتك حيا , وربما و ربما ..... وهكذا كان حال المسلمين الأوائل ممن فقهوا مقاصد الدين , فكانوا يخوضون الأهوال غير آبهين بما يلقونه , طالبين للنصر محافظين على حياتهم آملين في الشهادة كمنحة تمنح ولا تؤخذ بقرار شخصي , ففضل الله لا ينتزع وإنما تتبع الأسباب التي حددها الله للوصول إلى ذلك الفضل وتنتظر النتيجة , فإما منحت هذا الفضل أو منعته لسبب ما .
وللاستدلال على ما سبق نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ مِنْ قَلْبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) ابن ماجة والنسائي والترمذي .
وكذلك قصة الرجل الذي كان يقاتل في صفوف المسلمين ووجد مقتولا بعد المعركة , فقال الصحابة أنه شهيد في الجنة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك وأخبر أنه فى النار لأنه لما جرح في المعركة نحر نفسه , ناهيك عن أن قتل النفس في الأصل هو انتحار , أي أن قاتل نفسه في أي حال وبأي وسيلة ولأي هدف هو منتحر , والمنتحر في النار ولا شك , ولا يعرف في التشريع الإسلامي أي حالة مستثناة من ذلك يحل فيها قتل النفس .
والغريب في الأمر والمضحك المبكى أن حجة هؤلاء في فعل هذا و تبريرهم الشرعي لذلك السلوك التعبدي الشاذ يقتصر على قصة الغلام الذى قتله الملك فى قصة أصحاب الأخدود و خلاصتها أن الغلام المؤمن صرح للملك المتأله أنه لا إله إلا الله , وهو الذي خلقه و خلق الملك وخلق كل شيء وهو الأحق بالعبادة , فقرر الملك قتله ولكنه لم يستطع ذلك عبر محاولات عديدة منها الرمي من قمة الجبل والإغراق وغيرها , فقال الغلام للملك أتريد أن تقتلني ؟ قال نعم , قال لن تستطيع ذلك إلا أن تفعل ما سأخبرك به , قال ماذا ؟ قال الغلام أجمع الناس وصوب إلى سهمك وقل باسم الله رب الغلام ثم أطلقه فيصيبني فأموت
وأمام أعين الناس التى كانت هى هدف الغلام بأمر ربه فعل الملك ما قاله الغلام وأطلق السهم فأصاب الغلام فمات , فعلم الناس أن الغلام على حق وأنه هناك إله أعلى وأجل , لأن كل محاولات قتل الغلام باءت بالفشل وكل الأسهم لم تصبه إلا السهم الذي أطلق باسم الله , فآمن الناس بالله رب الغلام , إلى آخر القصة , وهم يستشهدون بتلك القصة التي وقعت قبل الإسلام بمئات السنين ويتخذون منها دليلا على صحة ما يفعلون !
ومن يستدل بذلك يمكنه أن يستدل بقصة الخضر مع موسى عليهما السلام الواردة في سورة الكهف ويروح يقتل كل صبي يقابله إن خشي أن يرهق أبويه الصالحين !
فيا أصحاب العقول والألباب إن الغلام كان كالخضر , فكلاهما مأمور من الله وذلك ما قاله الخصر ( وما فعلته عن أمري ) أي لم افعل ذلك بإرادتى وهواي , وإنما هو أمر الله , وكذلك الغلام فإنه كان مأمورا من الله , والقصة كلها عبارة عن معجزة ومجموعة خوارق للطبيعة , والمعجزات والخوارق لا تقنن , فمحاولات القتل المتتالية والفاشلة ونجاة الغلام منها جميعا وحدوث الإصابة القاتلة والتي ما كانت إلا بالسهم الذي ذكر اسم الله عليه لتكون معجزة للناس ليؤمنوا بها , فما الذي أدري الغلام بأنه مقتول بهذا السهم وما الذي دعاه أن يطلب من الملك أن يجمع الناس إلا أن يكون مأمورا من الله معلما بمجريات الأحداث , هذا بالإضافة إلى أن الغلام لم يكن هو قاتل نفسه , فلم يكن السلاح معه ولم يفجر نفسه أو ينحرها , ومن قال بأنه لم يكن مأمورا من الله عالما بمجريات الإحداث إذن فإنه كان يقوم بمحاولة ربما نجحت أو فشلت , أي إنه لم يكن موقنا بالموت أيضا .
والاعتماد على تلك القصة التي فندناها يدلل على ضعف دليل هؤلاء وابتداعهم وإصرارهم على تنفيذ أوامر الله تبعا لهواهم ووفق ما تشتهي أنفسهم , فيغررون بشباب مؤمن غيور على دينه يبحث عن وسيلة أو ربع فرصة يخرج بها من سلبيته وينصر بها دينه , فيصورون له أنهم سيرسلونه إلى الجنة بأسرع الطرق ليرافق سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه , والله أعلم بمثوى المرسل و المرسل .
والحديث هنا لا يقتصر على تلك الفرقة الضالة التي نناقشها وإنما يمتد ليشمل الفرق الفلسطينية وجزءا من المقاومة العراقية وكل من اتخذ من هذا الأسلوب منهجا جهاديا .
والمفزع والغريب حقا أن هذه العمليات كلها أو معظمها لا تتم ضد عدو محارب فقط وإنما تأخذ معها العشرات من المسلمين أو العشرات من المدنيين من غير المسلمين , وفي حالة قتل مسلمين في تلك العمليات فان من يقوم بها ومن يخطط لها يكون قد قتل مسلما عمدا ويستحق من الله العذاب العظيم الذي توعد به من يقترف ذلك الإثم , ومن يقتل المدنيين الغير محاربين ولو كانوا من قوم العدو فقد عصى الله ورسوله .
وهكذا فإنه يكون قد مات على معصية عظيمة وليس أمامه فرصة للتوبة , فكيف به إذا وقف أمام الله معتقدا أنه شهيد فيحاسبه الله على قتل نفسه وقتل المسلمين عمدا وقتل أبرياء وأطفال غير مقاتلين؟ فأين يكون مصير هذا ؟ إلى الجنة أم إلى النار ؟!
إن هؤلاء يقامرون بآخرتهم ولسوف يعلمون .
وبطبيعة الحال كلنا يعلم ما حدث بعد تلك الفعلة , وما عاناه المسلمون في العالم أجمع من تصرف أحمق خرج من فرقة ضالة , أما ما حدث لهم بشكل خاص فهو أن احتلتهم أمريكا وقهرتهم في أرضهم و شردتهم وطردتهم منها , فتفرقوا في الجبال والكهوف والمعتقلات والقبور , وتولي الحكم في بلادهم موالون للمحتل , يحكمون بما يري وينفذون ما يحلم به .
وهكذا تبدلت الأحوال , وبعد الانتصار جاء الانكسار , وبعد عز الله جاء ذل العدو ,
ولم يبق من هؤلاء إلا بيانات وتسجيلات تظهر من وقت لآخر تصب جميعها في مصلحة من يكيدون لنا ويحتلون أرضنا , حتى تتشكك في ولائهم من الأصل وتذهب إلى تصديق الروايات التي تقول أن عملية 11 سبتمبر مفتعلة وقائمة على تخطيط أمريكي وتنفيذ القاعدة واشتراك تنسيقي إسرائيلي بشكل ما لتوفير المبرر أمام العالم لغزو أفغانستان , ووضع اليد على بحر قزوين ونفطه والهيمنة على المنطقة .
وبعد استعراض تجربة الإسلاميين في أفغانستان ومناقشة تلك الفعلة الغير شرعية للاستدلال على فساد القائمين عليها يمكننا أن ننتهي إلى توصيف أو نتيجة تلخص لنا ما جرى عبر سنوات تلك التجربة . فإنهم اجتمعوا فأصابوا الحق وقهروا عدوهم فمكن الله لهم , ثم تفرقوا واختلفوا ففارقوا الحق وهزموا وتمكن منهم عدوهم , فهل من معتبر ؟

ولو نظرنا نظرة سريعة على العراق لوجدنا نفس الحال والضياع وبصورة واضحة , فمن خلال اختلافاتهم المذهبية والعرقية بين سنة وشيعة وعرب وأكراد وغيرها اخترقهم عدوهم وتمكن منهم , وذهبت بعض فرقهم كالشيعة والأكراد إلى موالاة العدو بل والقتال معه جنبا إلى جنب في مواجهة العرب والسنة , فراح العرب والسنة يقتلون عموم الشيعة والمحتل يقف خلف دباباته في داخل حصونه يتفرج ويضحك ويحمد الله أن كان عدوه بكل هذا الغباء , وينتظر تصفية كل فرقة للأخرى حتى تتبقى فى النهاية فرقة منتصرة منهكة , فإما رضخت بالحسنى وإما كان القضاء عليها سهلا يسيرا .
هكذا فعلت الفرقة فيهم كما فعلت في فلسطين وأفغانستان وكلهم في أرض معركة , والضرورة الحتمية للكر والفر وتحقيق النصر أو الصمود على الأقل هي توحيد الصفوف والقيادة , ولكنهم لم يستطيعوا لأنهم مختلفون متفرقون في أحزاب ومذاهب ورؤى شخصية .
وهكذا سيكون حال كل بلاد الأمة إن لم يوحدوا جماعتهم ويقيموا دينهم الحنيف في دولتهم , ولن ينجو إلا من يفعل ذلك وهذا هو الواجب الشرعي الأول لكل مسلم يعيش على هذه الأرض بشكل عام وعلى كل منتم لمذهب أو جماعة أو حزب بشكل خاص.

أما لو امتد النظر إلى تاريخ الأمة القديم لوجدنا تاريخا أطول من الاختلاف والفرقة , سالت فيه دماء الأمة بسيوفها , ولن نلعق في تلك الدماء بألسنتنا بعد أن رحمنا الله من الاشتراك فيها كما قال عمر بن العزيز خامس الخلفاء الراشدين , ولكننا سنذكرها فقط دون الحديث فيها إمعانا في إثبات خطر الاختلاف والفرقة الرهيب والمدمر على الأمة.
فقد كان الأمر على طول التاريخ ودائما هكذا , اختلاف وتكايد ففرقة وفتنة فقتال وهلاك فاحتلال ولصوص يسلبون ما بقى منا .
ويبدأ هذا التاريخ مع الفتنة الكبرى والتي حولت حكم أمة الإسلام إلي ميراث يرثه بنو أمية ومنها ولدت الشيعة , والاختلاف على القدر و القراءات التى يقرأ بها القرآن وفتنة خلق القرآن والاختلاف على المذاهب الأربعة وكأنها ديانات أربعة , ثم اختلاف المخرفين من أتباع وعباد الرجال الذين ألهوا أولياء لله وقادة ولصوصا , وابتدعوا لهم المدارس الفكرية والمذهبية بل والعقائدية , ودافعوا عنها وتعصبوا لها وجاهدوا من أجلها حتى صارت هي دينهم الذي ينتمون إليه , وصار قائدهم حيا كان أو ميتا صالحا كان أم طالحا إلها يعبد من دون الله , والغريب في الأمر هو ضعف موقفهم جميعا وظهور فساده للعيان بمنطق العقل إن حيدت الدين , وأحيانا تجد فى مواقف بعضهم ومبادئه ما يدفعك للضحك سخرية منه , والبكاء لأن هؤلاء يعيشون بين هذه الأمة ويؤثرون فيها .

5 Comments:

At ١١/٢٩/٢٠٠٦ ٨:٤٠ ص, Anonymous غير معرف said...

For sure you will drive us back

 
At ١١/٢١/٢٠١٢ ٤:٥٧ م, Anonymous Wohnungsräumung Wien said...

موضوع راائع , الف شكر

 
At ١١/٢١/٢٠١٢ ٤:٥٩ م, Anonymous Mr Fitness For You said...

جازاك الله كل خير

 
At ١١/٢١/٢٠١٢ ٥:٠٠ م, Anonymous my cat care blog said...

مدونه متميزه جدا

 
At ١١/٢١/٢٠١٢ ٥:٠١ م, Anonymous جمال المرأه said...

يسلموو ايديك

 

إرسال تعليق

<< Home